تستضيف المملكة يومي الثلاثاء والأربعاء (17-16)/1436/07هـ الدورة العاشرة من ( مؤتمر يورومني السعودية بعنوان " الفرص والأسواق المالية " ) الذي تنظمه مؤسسة اليورومني البريطانية بالتعاون مع وزارة المالية . ويشهد المؤتمر مشاركة واسعة من المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص والمختصين في المجالات المالية والإقتصادية والمستثمرين من داخل المملكة وخارجها .
وتهتم مؤسسة اليورومني بإقامة هذا المؤتمر سنوياً في الرياض وذلك للأهمية المتنامية للمملكة في الإقتصاد العالمي خاصةً أنها الأكبر إقتصادياً في الشرق الأوسط .
وقد إفتتح معالي الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية المؤتمر صباح يوم ( الثلاثاء ) في فندق الفيصلية بالرياض بكلمةٍ قال فيها :
أود في البداية ان اعبر عن سعادتي بالمشاركة في هذا المؤتمر الذي يحتفل هذا العام بعامه العاشر . وأتقدم بهذه المناسبة بالشكر لمؤسسة يورموني على جهودها في الاعداد والتنظيم حيث أصبح هذا المؤتمر من أهم المؤتمرات الإقليمية المتخصصة ، واستذكر بهذا الخصوص جهود السيد/ بوراك فالون الذي كان وراء إنشائه ونجاحه .
نجتمع هذا اليوم والمملكة تشهد تطورات في غاية الأهمية على المستويين السياسي والإقتصادي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ والتي كان آخرها مبايعة صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد ، وصاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد ، كما شهدنا قبل ذلك عدداً من القرارات التنظيمية في المجالين الإقتصادي والسياسي والأمني متمثلة في تركيز القرارات في مجلسين رئيسيين هما مجلسي الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية كبديلين عن الكثير من المجالس واللجان وهذا من شأنه ــ بحول الله ــ أن يُمَكّن من الإسراع في إتخاذ القرار ، ونأمل أن يضيف لجهود الحكومة الأخرى في المزيد من سهولة أداء الأعمال لتعزيز البيئة الجاذبة للإستثمار .
ولعلي في هذه الكلمة أشير بشيء من الاجمال لبعض القضايا التي تحظى باهتمام ومتابعة . ففيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، فقد استمر في التعافي خلال العام الماضي،وإن كان النمو مازال متوسطا ومتباينا بين الدول والأقاليم المختلفة . وعلى الجانب الآخر، استمر التباطؤ في معدلات نمو الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين، فضلاً عن تأثر عدد من الاقتصادات الناشئة الرئيسة الأخرى بتراجع أسعار السلع الأولية. وبالرغم من ذلك فقد أسهمت مجموعة الاقتصادات النامية والناشئة بنحو ثلاثة أرباع نمو الاقتصاد العالمي عام 2014 .
وعلى المستوى الإقليمي، فبالرغم من التحسن النسبي في معدل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2014م بالمقارنة بالعام الذي سبقه، إلا أن معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة مازالت ضعيفة متأثرة بالتطورات الأمنية والسياسية في عدد من المناطق في حين أن انخفاض أسعار النفط يمثل تحدياً للدول المصدرة له ومنها المملكة .
تواجه آفاق الاقتصاد العالمي عدد من المخاطر والتي تتضمن التوترات السياسية والاضطرابات الأمنية ومخاطر الركود وزيادة حدة التقلبات في أسواق المال الدولية نتيجة لحدوث تحول في تقييم المتعاملين في الأسواق لمخاطر الاستثمار في الأصول المالية وخاصةً إذا ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على نحو أسرع وبدرجة أكبر من المتوقع مع إعادة السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي في ظل تعافي معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي .
ورغم كل ما أشرت إليه إلا أنني أميل إلى التفاؤل بأن الإقتصاد العالمي بدأ يخرج من الوضع الحالي المُتّسم بالنمو المنخفض ومخاطر الانكماش الحاد ، فالمؤشرات من أوروبا واليابان بالذات متفائلة إلا أنه لا يتوقع عودة قريبة لمستويات النمو العام التي إتسم بها العقد الماضي .
اسمحوا لي أن استعرض بعض التطورات الاقتصادية والمالية على المستوى المحلي، حيث شهد الاقتصاد السعودي معدلات نمو قوية خلال الخمس سنوات الأخيرة بلغت نحو 5% في المتوسط سنوياً. وقد جاء هذا النمو على خلفية التوسع المستمر في الأنشطة الاقتصادية في القطاعات غير النفطية بمعدلات نمو سنوية فاقت 5% ، مما أسهم في تعويض أثر التقلبات في معدلات نمو القطاع النفطي على أداء الاقتصاد الكلي .
وقد أثمرت جهود الدولة المستمرة لتطوير الشراكة مع القطاع الخاص وتوفير البيئة المناسبة للاستثمارات الخاصة في تحقيق معدلات نمو لناتج القطاع الخاص ضمن القطاعات غير النفطية تراوحت بين 6% و 8% خلال السنوات الخمس الماضية ليصل نصيب ناتج القطاع الخاص إلى نحو 70% من ناتج القطاعات غير النفطية والتي تشكل بدورها نحو 56.5% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2014. ومن العوامل التي ساعدت على هذا النمو، الفرص المتاحة التي صاحبت الإنفاق الحكومي على مشاريع وبرامج التنمية والبنية الأساسية . وقد بلغ عدد عقود المشاريع الحكومية التي طرحت خلال العام 2014 بما فيها المشاريع الممولة من فوائض إيرادات الميزانيات السابقة 2572 عقداً تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 49 مليار دولار أمريكي .
وجاءت ميزانية الدولة لعام 2015 لتؤكد الارتباط الوثيق بين توجهات الانفاق العام وأهداف وأولويات خطة التنمية مع العمل على تفادي التأثيرات السلبية الكبيرة لتقلبات أسعار النفط، وقد ساعد في ذلك ــ بفضل الله ــ الجهود الكبيرة التي بذلت خلال الأعوام الماضية لتقوية وضع المالية العامة وتعزيز الملاءة المالية بخفض الدين العام ، حيث استمرت الميزانية العامة للعام المالي الحالي في تركيزها على برامج التنمية ذات الاولوية وبما يسهم في الاستمرار في تحفيز نشاط القطاع الخاص خارج القطاع النفطي ورفع معدلات النمو والتشغيل . ولا شك أن المملكة كما هو الحال في الدول المعتمدة على الإيرادات النفطية ستواجه بعض التحديات خلال الفترة القادمة مما يتطلب إجراءات إحترازية واستباقية ومواصلة برامج الاصلاح والتنويع الاقتصادي وتوسيع قاعدة الايرادات العامة، وترشيد الانفاق العام وتعزيز كفاءته وفاعليته.
وفيما يتعلق بالقطاع المالي بشكل عام تواصل المملكة تعزيز هذا القطاع ، حيث استمر نمو القطاع المصرفي وواصلت مؤسسة النقد جهودها لتعزيز متانته، كما تواصل هيئة السوق المالية العمل على تطوير وتعميق السوق المالية، حيث تم مؤخرا الموافقة على فتح المجال للمؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة، وكذلك تشجيع طرح السندات والصكوك بجانب الأسهم لتنويع أدوات الاستثمار وفرص التمويل. ونحن متفائلون بمستقبل سوق الصكوك والسندات بالمملكة مما سيفتح آفاقا جيدة لمنشآت القطاع الخاص لتمويل مشاريعها وتوسعاتها في ظل توفر السيولة بالسوق المحلي وتزايد إقبال المستثمرين، ولعل المؤتمر فرصة لعرض ومناقشة مثل هذه التطورات .
وانعكاساً لتلك التطورات الإيجابية، أبقت وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني في مطلع شهر أبريل الماضي تصنيف المملكة السيادي عند درجة ائتمانية عالية (Aa3) مع نظرة مستقبلية مستقرة . ويأتي هذا بعد إعلان مماثل من وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني عن تثبيت التصنيف السيادي للمملكة عند درجة ائتمانية عالية (AA) مع نظرة مستقبلية مستقرة. ويعد نجاح المملكة في الحفاظ على تصنيفها الائتماني المرتفع بالرغم من انخفاض أسعار النفط انعكاساً لسلامة السياسات الاقتصادية للمملكة ومتانة الاقتصاد السعودي وقدرته على مواجهة التقلبات الدورية